• !
admin

سلامة القلب

الحمد لله، نحمده على ما هدى وكفى، ونشكره على ما أجزل وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشر، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم واقتفى، وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فأوصيكم معاشر المؤمنين بتقوى الله جل وعلا، فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واخشوه عز وجل وراقبوه، فإن من عرف الله تعالى حق المعرفة، امتلأ قلبه تعظيمًا له سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
عباد الله، العناية بسلامة الصدور وصفاء القلوب من أهم المهمات، ومن أعظم الغايات، وإذا سلمت واطمأنت هذه الصدور، تبعتها الجوارح في السعادة والراحة، وبصلاح القلوب تصلح الأعمال والأخلاق؛ ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((... ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))، وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)).
أيها الناس، سلامة الصدر وخلوُّه من الحقد والحسد هي خَصلة من خصال البر التي ينبغي للعبد أن يحرص عليها؛ لما فيها من الفضائل والأجر؛ ومنها ما ثبت في الأحاديث أن صاحب القلب السليم هو من خير الناس وأفضلهم؛ وقد ((سُئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد)).
ومن الفضائل أن سلامة الصدر من الأسباب الموجبة للجنة، كلكم تعرفون قصة الرجل الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته ماءً من وضوئه، معلق نعليه في يده الشمال، تكرر ذلك ثلاث مرات في ثلاثة أيام، فتبعه عبدالله بن عمرو بن العاص، وبات عنده ثلاث ليال، ثم قال له: لم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلًّا لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه)).
قال ابن رجب: (أفضل الأعمال سَلَامة الصَّدر من أنواع الشَّحْناء كلِّها.. أنَّ سَلَامة الصَّدر، ونقاء القلب من أمراضه -والتي منها الغِلُّ- صفة من صفات أهل الجنَّة، وميزة من ميزاتهم، ونعيم يتنعمون به يوم القيامة. قال -تبارك وتعالى- ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].))
(( فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قيل: يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أفضلُ؟ قال: كلُّ مَخمومِ القلبِ وعند ابن ماجةصَدوقُ اللِّسانِ. قالوا: صَدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه، فما مَخمومُ القلبِ؟ قال: هو التَّقيُّ النَّقيُّ لا إثمَ فيه ولا بَغيَ، ولا غِلَّ، ولا حسَدَ)).
وصاحب هذا القلب اللهُ -جل وعلا- يُقبل عليه بفضله ورحمته ولطفه وكرمه فيمتلأ قلبه بالطاعة، فهو يسارع إلى الخير، ويكون سباقا إلى كل فضيلة ومن تم فهو عند الله من أفضل الناس كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث.
وتأملوا في تعبير النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مخموم القلب"، والمخموم: من خم البيت إذا كنسه ونظفه، أي أنه ينظف قلبه في كل وقت بين الفينة والأخرى مما يدل على أن الأمر ليس بالسهل ولابد له من مجاهدة وصبر، ولا يقوى على ذلك إلا الأشدّاء من الناس، لذلك استحق رتبة أفضل الناس، وكان عند الله بالمكانة العليا.
قال سفيان بن دينار: (( قلت لأبي بشير -وكان من أصحاب علي-: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤْجَرون كثيرًا. قلت: ولم ذاك؟ قال: لسَلَامة صدورهم )) الزهد لهناد بن السري
عباد الله: إن من أخص سمات المؤمنين العظيمة، وصفاتهم الكريمة الدالة على حسن إيمانهم ونُبل أخلاقهم: سلامةُ قلوبهم وألسنتِهم تجاه بعضهم البعض، إذ ليس في قلوبهم حسد ولا غل ولا بغضاء ولا ضغينة، وليس على ألسنتهم غيبة أو نميمة أو كذب أو وقيعة، بل قلوبهم لا تحمل ولا تحتمل إلا المحبة والخير والرحمةَ والإحسانَ والعطفَ والإكرام، وألسنتهم لا تنطق ولا تتحرك إلا بالكلمات النافعة، والأقوال المفيدة .
والدعوات الصادقة.
بل أعظم من ذلك صاحب القلب السليم ينجُو مكرما يوم القيامة؛ لأن الله -جل جلاله- قد علَّق النجاة في ذلك اليوم بسلامة القلوب، فقال سبحانه: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88 - 89]، وهذا هو دعاء إبراهيم -عليه السلام- إذ كان يقول في دعائه: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 87 - 89] سليمٍ من الشرك والشك، سليم من الرياء والنفاق، سليم من الغل والحسد سليم من الأحقاد والضغائن، سليم لم يُصب بالقسوة ولم يختم عليه بأختام الشدة والغلظة، سليم لم يتلوث بآثار الجرائم والذنوب والمعاصي، ولم يتدنس بالأوهام وظن السوء.
فالمسلم لا يكون إلا سليمَ الصدر، طيب النفس، طاهر القلب، لا يحمل في قلبه على إخوانه سوءًا ولا ضغينة ولا كراهية ولا بغضاء، بل يحبُّهم وينصح لهم ويُشفق عليهم ويحب الخير لهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

(الخطبة الثانية)

عبادالله:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، واسمعوا لهذا التحذير من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول كما في الحديث الصحيح: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" هذا في ثلاثة أيام، أما إذا بلغ الهجر سنة كاملة فالأمر أخطر، والإثم أشد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ" فكيف إذاً بهجران وتقاطع يمتد سنوات كثيرة؟!

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب وأصلح اللهم أحوالنا في الأمور كلها وبلغنا بما يرضيك أمالنا.

واختم اللهم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة أجالنا وتوفنا يا رب وأنت راض عنا.

اللهم وحد كلمة المسلمين واجمع شملهم واجعلهم يدا واحدة على من سواهم.

وانصر اللهم المسلمين واخذل الكفرة المشركين أعدائك أعداء الدين.

اللهم إنا نسألك لولاة أمورنا التوفيق والسداد اللهم كن لهم عونا ونصيراً.

اللهم وأيد بالحق ولي أمرنا خادم الله الحرمين الشريفين وولي عهده وخذ بأيديهم إلى الحق والصواب والسداد والرشاد ووفقهم لما فيه رضاك وما فيه صالح العباد والبلاد

اللهم إنا نسألك صحة في إيمان وإيمان في حسن خلق ونجاح يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوانا.

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
بواسطة : admin
 0  0  256