فضل الصحابة رضي الله عنهم، وعقيدة أهل السنة فيهم.
فضل الصحابة رضي الله عنهم، وعقيدة أهل السنة فيهم
د. عبد الله بن راضي المعيدي
د. عبد الله بن راضي المعيدي
الحمد لله الذي أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيرا , وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، بعثه رحمة للعالمين ومعلِّماً للأميين بلسانٍ عربي مبين ، ووعده يوم القيامة مقاماً محمودا ، وحوضاً مورودا ، وشرفاً مشهودا فصلوات الله وملائكتِه وأنبيائِه والصالحين من عباده عليه وسلّم تسليماً مزيدا ، ورضي الله عن أصحابه الكرام ؛ ليوث الصِّدام أهل المواقف العظام وهداة الأنام ، رضي الله عنهم أجمعين .
أما بعد؛ فإن أصـدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى؛ فإن تقوى الله جلّ وعلا أساس السعادة وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة .
عباد الله : إنّ هذا الدّين القويم والصراط المستقيم الذي ارتضاه تبارك وتعالى لعباده قد اختار له جلّ وعلا نبياً كريما وداعياً حكيما ومبلِّغا أمينا ألا وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فبلَّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة، فما ترك خيرا إلا دلَّ الأمة عليه ولا شرا إلا حذّرها منه ، فهو منّة الله جلّ وعلا على عباده ، قال الله جلّ وعلا : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:٢] ، فنسأل الله جلّ وعلا أن يجزيه خير ما جزى نبياً عن أمّته على نصحه لأمته وإبلاغه لدين الله تبارك وتعالى على التّمام والكمال ، ونسأله جلّ وعلا أن يحشرنا يوم القيامة تحت لوائه وفي زمرته صلوات الله وسلامه عليه .
عباد الله : ثم إن الله جلّ وعلا اختار لهذا النبي الكريم أنصاراً عدولا وصحابةً كراما عزّروه ونصروه وأيّدوه عليه الصلاة والسلام وبذلوا مهَجهم وأنفاسهم وأموالهم في سبيل نصرته ونصرة دينه صلى الله عليه وسلم ؛ ففازوا بكل فضيلة وسبقوا الأمة في الخيرية وفازوا برضوان الله ، قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة:١٠٠] ، ما أعلاها من منزلة وما أشرفها من مكانة تبوّأها الصّحابة الكرام ونالها هؤلاء العدول الخيار ؛ شرّفهم الله برؤية النبي الكريم عليه الصّلاة والسلام وسماع حديثه منه ونصرته صلى الله عليه وسلم ، فهم خير أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وهم أنصار الملّة ، وأعوان الدّين وليوث الصِّدام ، وهداة الأنام ، ومبلغو دين الله إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام .
وصفهم الله –تعالى- بأعلى الأوصاف وأحسنِها، قال -تعالى- في وصف أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ)[الفتح: 29]؛ فذكر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية ثلاث صفاتٍ للصحابة -رضي الله عنهم-:
وأخبر الله -سبحانه وتعالى- من فوق سبع سماوات أنه رضي عنهم قال -تعالى-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)[الفتح: 18].
عباد الله: إن الحديثَ عن الصحابةِ -رضي الله عنهم- وتدارسَ أخبارِهم وسيرِهم فيه فوائدُ عظمية؛ منها: الاقتداء بهم، وازدياد الإيمان بذكرهم، ومحبتهم، وهذا من الإيمان كما جاء في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "حبُّ الأنصارِ آيةُ الإيمان وبغضُهم آيةُ النفاق"؛ أي: علامة النفاق، وكما قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يحبُهم إلا مؤمن، ولا يُبغضهم إلا منافق؛ من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله" (متفق عليه).
وأخرج أبو نُعيم في الحِلية عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: "مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَّرَهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ -صلّى الله عليه وسلم- وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلَاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ فَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ".
وكان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته فقيل له ألا تستوحش؟ فقال: "كيف أستوحش وأنا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه"؛ يعني أنه يقرأ في الكتب التي عنده سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه.
عباد الله: إن عقيدة أهل السنة والجماعة تجاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هي محبتهم، وبغض من يبغضهم ويسبهم؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: "لا تسبُّوا أصحابي؛ فإن أحدَكم لو أنفقَ مثلَ أحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه".
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة تجاه الصحابة سلامة القلوب من الغل والحقد والبغض وسلامة الألسن من الطعن واللعن والسب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أحمد: ( إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه ُعلى الإسلام ).
ولنعلم عباد الله أن سبّ الصحابةِ -رضي الله عنهم-: هو قدح في الله -سبحانه وتعالى- وقدح في النبي -صلى الله عليه وسلم- وقدحٌ في شريعة الإسلام؛ فالله تعالى هو من اختارهم لصحبة نبيه، وهم الذين نقلوا لنا هذا الدين وحدّثوا بالأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف يوصفون بالأوصاف التي لا تليق بهم؟!
فنسألُ الله أن لا يجعل في قلوبنا غلاً على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم أجمعين، وجعلنا ممن يسلكون طريقهم فيفوزون فوزًا عظيمًا.
عباد الله: ومن أصول أهل السنة والجماعة في باب الصحابة؛ وهو اصل عظيم جداً: الإمساك عما شجر بين الصحابة, وذلك بالكف عن البحث فيه, وعدم الخوض فيه, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ذُكِرَ أصحابي فأمسكوا ). وهذا الأصل متفق عليه لم ينازع فيه أحد من أئمة السلف.
وأما بالنسبة لما شجر بين الصحابة -رضي الله عنهم- فأكثر ما يُذكر كذبٌ لا صحة له، ومنها ما زِيدَ فيه وبُدِّلَ، وأما ما كان صحيحًا فإنهم فيه معذورون؛ إما مجتهدون مصيبون أو مجتهدون مخطئون. وعلى هذا نص أئمة الإسلام كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
فالواجب علينا الكفُّ عنهم والاستغفار لهم؛ لقد ذكر الله -عز وجل- في سورة الحشر المهاجرين، ثم ذكر الأنصار، ثم ذكر المؤمنين الذي يأتون بعدهم فقال: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر: 10].
عباد الله: ومن جملة عقيدة أهل السنة في الصحابة: محبة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم, والإيمان بأنهن أزواجه في الآخرة, وأنهن أمهات المؤمنين، وكذلك محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتَوَلِّيهِم، وحِفظُ وصيةِ رسول الله عليه وسلم فيهم حيث قال: ( أُذَكِّرُكُم الله في أهل بيتي ). وقال لعمه العباس: ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ).
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد عباد الله : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنّ من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
عباد الله : إن الصّحابة كلَّهم عدول موثّقُون ؛ وثقهم الله في كتابه ، وعدّلهم رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فلم يبق فيهم لقائلٍ مقالا ولا لمتكلم مجالا . الواجب عبادَ الله أن نحفظ لهؤلاء الصّحابة قدرهم ؛ فحبهم إيمانٌ وطاعةٌ وإحسان ، وبغضهم نفاقٌ وشقاقٌ وعصيان .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم ارض عن صحابة نبيك الكريم واجزهم عنّا أفضل الجزاء وأعظمه , اللهم واعمر قلوبنا بمحبتهم يا ذا الجلال والإكرام ووفقنا لاحترامهم ومعرفة قدرهم يا حيُّ يا قيّوم ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم ووفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم ووفق ولي عهده لما فيه خير للبلاد والعباد.