استقبال رمضان
إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ، هَا هِيَ الأَنْفُسُ تَشْرَئِبُّ، وَالْقُلُوبُ تَـخْفِقُ، والأَنْفُسُ الزَّكِيَّةُ تَـهْفُو تَنْتَظِرُ قُدُومَ الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، الَّذِي فَرَضَ اللهُ عَلَيْنَا صِيَامَهُ، وَجَعَلَهُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ دِينِنَا الْعَظِيمِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ؛ حَيْثُ خَاطَبَ اللهُ بِـهَذِهِ الآيَةِ أَهْلَ الإِيـمَانِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّـهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَجِيبُونَ لأَمْرِ اللهِ.
أيها المؤمنون!
إن حسن استقبال شهر رمضان مؤذن بحسن استغلاله وختمه. وخير ما يستقبل به رمضانُ التخلصُ من وضر الذنب بالتوبة النصوح التي يجِبُّ الله بها الأوزار، ويزكّي بها النفوس؛ ليَصلُحَ ما بين العبد وبين ربه، وما بين العبد وما بين الناس. فإن الذنوب أثقال تقعد المرء عن درب الطاعة، ووهن يكسر سورة النشاط لفعل الخير، وعقبة كأْداء تصدّ عن سبيل الفلاح، وشؤم مفقدٌ حلاوةَ الطاعة. قال مالك بن دينار: « إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ – عُقُوبَاتٍ؛ فَتَعَاهَدُوهُنَّ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ، وَضَنْكٍ فِي الْمَعِيشَةِ، وَوَهَنٍ فِي الْعِبَادَةِ، وَسَخَطٍ فِي الرِّزْقِ ». والتخلص من تلك الأغلال بالتوب النصوح أقوى دافع لانطلاق المرء في المسارعة للخير والمسابقة في ميدانه؛ إذ لا ثقل يعيقه أو يقعده. والتَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَهْجُرَ الْعَبْدُ الذَّنْبَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا، كما قال الحسن البصري.
عِبَادَ اللهِ، هَا هُوَ الشَّهْرُ الْعَظِيمُ يُقْبِلُ عَلَيْنَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُـخْبِـرُ أَصْحَابَهُ بِقُدُومِهِ بِقَوْلِهِ:" قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ "، رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَالشَّيَاطِيـنُ فِي هَذَا الشَّهْرِ لَا يَـخْلُصُونَ فِيهِ مِنْ إِفْسَادِ النَّاسِ إِلَى مَا يَـخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْـرِهِ، وَذَلِكَ بِـحِفْظِ اللهِ لَـهُمْ، وَانشِغَالِـهِمْ بِقِرَاءَةِ القُرآنِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَقَمْعِهِمْ للشَّهَوَاتِ. فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ بِالفَرَحِ، والسُّرُورِ، والْغِبْطَةِ، وَشُكْرِ اللهِ الْعَظِيمِ؛ أَنْ نَسَأَ فِي عُمْرِهِ حَتَّـى بَلَّغَـهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، الَّذِي أَكْثَرَ اللهُ فِيهِ مِنَ الْبَـرَكَاتِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ للصِّيَامِ فَضَائِلَ عَظِيمَةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»، وَفي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) وَمَعْنَـى (جُنَّةٌ) كَمَا جَاءَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: (حِصْنٌ حَصِيـنٌ مِنَ النَّارِ).
وَمِنْ فَضَائِلِ رَمَضَانَ:
أنَّ اللهَ احْتَفَظَ بِأَجْرِ الصَّائِمِ لِنَفْسِهِ، فَجَاءَ فِي الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِدُنْيَاكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ مُفَارِقُوهَا إِلَى قُبُورِكُمْ ثُمَّ إِلَى أُخْرَاكُمْ، وَلَا مَفَرَّ مِنْ ذَلِكَ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ .
عباد الله:
ومن أفضل الأعمال في هذا الموسم الكريم:
1- قراءة القرآن:
روى الترمذي، بسند صحيح عن عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: ﴿ الم ﴾ حرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ».
ولقراءة سورتي البقرة، وآل عمران فضل خاص.
روى أحمد في مسنده، بسند صحيح عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ شَافِعٌ لأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ أَهْلِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: اقْرَؤُوا الْبَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
2- صلة الرحم.
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَ مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ ».
3- الصدقة.
روى البخاري ومسلم عَنِ عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».
4- العمرة.
روى البخاري ومسلم عَنِ عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِري فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً».
وفي رواية لأبي داود«أَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي»، يَعْنِي عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ، هَا هِيَ الأَنْفُسُ تَشْرَئِبُّ، وَالْقُلُوبُ تَـخْفِقُ، والأَنْفُسُ الزَّكِيَّةُ تَـهْفُو تَنْتَظِرُ قُدُومَ الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، الَّذِي فَرَضَ اللهُ عَلَيْنَا صِيَامَهُ، وَجَعَلَهُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ دِينِنَا الْعَظِيمِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ؛ حَيْثُ خَاطَبَ اللهُ بِـهَذِهِ الآيَةِ أَهْلَ الإِيـمَانِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّـهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَجِيبُونَ لأَمْرِ اللهِ.
أيها المؤمنون!
إن حسن استقبال شهر رمضان مؤذن بحسن استغلاله وختمه. وخير ما يستقبل به رمضانُ التخلصُ من وضر الذنب بالتوبة النصوح التي يجِبُّ الله بها الأوزار، ويزكّي بها النفوس؛ ليَصلُحَ ما بين العبد وبين ربه، وما بين العبد وما بين الناس. فإن الذنوب أثقال تقعد المرء عن درب الطاعة، ووهن يكسر سورة النشاط لفعل الخير، وعقبة كأْداء تصدّ عن سبيل الفلاح، وشؤم مفقدٌ حلاوةَ الطاعة. قال مالك بن دينار: « إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ – عُقُوبَاتٍ؛ فَتَعَاهَدُوهُنَّ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ، وَضَنْكٍ فِي الْمَعِيشَةِ، وَوَهَنٍ فِي الْعِبَادَةِ، وَسَخَطٍ فِي الرِّزْقِ ». والتخلص من تلك الأغلال بالتوب النصوح أقوى دافع لانطلاق المرء في المسارعة للخير والمسابقة في ميدانه؛ إذ لا ثقل يعيقه أو يقعده. والتَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَهْجُرَ الْعَبْدُ الذَّنْبَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا، كما قال الحسن البصري.
عِبَادَ اللهِ، هَا هُوَ الشَّهْرُ الْعَظِيمُ يُقْبِلُ عَلَيْنَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُـخْبِـرُ أَصْحَابَهُ بِقُدُومِهِ بِقَوْلِهِ:" قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ "، رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَالشَّيَاطِيـنُ فِي هَذَا الشَّهْرِ لَا يَـخْلُصُونَ فِيهِ مِنْ إِفْسَادِ النَّاسِ إِلَى مَا يَـخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْـرِهِ، وَذَلِكَ بِـحِفْظِ اللهِ لَـهُمْ، وَانشِغَالِـهِمْ بِقِرَاءَةِ القُرآنِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَقَمْعِهِمْ للشَّهَوَاتِ. فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ بِالفَرَحِ، والسُّرُورِ، والْغِبْطَةِ، وَشُكْرِ اللهِ الْعَظِيمِ؛ أَنْ نَسَأَ فِي عُمْرِهِ حَتَّـى بَلَّغَـهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، الَّذِي أَكْثَرَ اللهُ فِيهِ مِنَ الْبَـرَكَاتِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ للصِّيَامِ فَضَائِلَ عَظِيمَةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»، وَفي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) وَمَعْنَـى (جُنَّةٌ) كَمَا جَاءَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: (حِصْنٌ حَصِيـنٌ مِنَ النَّارِ).
وَمِنْ فَضَائِلِ رَمَضَانَ:
أنَّ اللهَ احْتَفَظَ بِأَجْرِ الصَّائِمِ لِنَفْسِهِ، فَجَاءَ فِي الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِدُنْيَاكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ مُفَارِقُوهَا إِلَى قُبُورِكُمْ ثُمَّ إِلَى أُخْرَاكُمْ، وَلَا مَفَرَّ مِنْ ذَلِكَ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ .
عباد الله:
ومن أفضل الأعمال في هذا الموسم الكريم:
1- قراءة القرآن:
روى الترمذي، بسند صحيح عن عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: ﴿ الم ﴾ حرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ».
ولقراءة سورتي البقرة، وآل عمران فضل خاص.
روى أحمد في مسنده، بسند صحيح عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ شَافِعٌ لأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ أَهْلِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: اقْرَؤُوا الْبَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
2- صلة الرحم.
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَ مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ ».
3- الصدقة.
روى البخاري ومسلم عَنِ عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».
4- العمرة.
روى البخاري ومسلم عَنِ عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِري فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً».
وفي رواية لأبي داود«أَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي»، يَعْنِي عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ.