من أصول أهل السنة في معاملة ولاة الأمر
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: لقد اقتضت سنة الله في خلقه أنه لا يصلح حالهم ولا تستقيم حياتهم إلا في ظل وجود من يسوسهم من حاكم أو أمير أو رئيس؛ فينظم لهم شؤونهم, ويوجه سلوكياتهم, ويحفظ حقوقهم, يقيم فيهم العدل ويدفع عنهم الظلم, ويمنع الفوضى, وينصح لأمته وشعبه، يأمن في وجوده الخائف ويقوى الضعيف, ويرتدع الظالم, وتصان الأعراض وتعصم الدماء, وتقام الحدود ويحفظ الدين, وهذا من أعظم الأعمال في حياة المجتمعات والشعوب والحضارات والأمم, فإذا لم يوجد في حياة الشعوب والمجتمعات والدول من يتولى إدارة حياتهم؛ تحولت الحياة إلى فوضى وصراعات لا تستقر معها حياة.
لَا يَصلحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ *** وَلَا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا.
وقال عبد الله بن المبارك:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا *** منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان معضلة *** في ديننا رحمة منا ودنيانا
لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل *** وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
عباد الله: إنه لمن الواجب على الأمة طاعة ولي أمرها في غير معصية, وقد دل على وجوب طاعته الكتاب والسنة وإجماع المسلمين, قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء:59].
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة؛ في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا, وأن لا ننازع الأمر أهله, قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان"(البخاري)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى من أميره شيئا يكرهه؛ فليصبر, فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية"(مسلم)، وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره, ما لم يؤمر بمعصية؛ فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(البخاري).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: إن خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوصاني إن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف"(مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أطاعني فقد أطاع الله, ومن يعصني فقد عصى الله, ومن يطع الأمير فقد أطاعني, ومن يعص الأمير فقد عصاني"(مسلم), وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشي كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ".
قال النووي: "أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية"(شرح مسلم), وقال الإمام الطحاوي: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا, ولا ندعوا عليهم, ولا ننزع يداً من طاعتهم, ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة؛ ما لم يأمروا بمعصية, وندعو لهم بالصلاح والمعافاة".
أيها الإخوة: إن لطاعة ولي الأمر في غير معصية مكاسب تعود على الأمة والمجتمع والأفراد؛ فمن ذلك:
أولا: امتثال أمر الله -عز وجل- حيث يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[النساء:59].
ثانيا: تحقيق الطاعة متى ما كانت في غير معصية لله ورسوله، كانت في مرضاة الله، وكنت مأجوراً عليها، وآثم عند التفريط فيها, فعن عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(مسلم).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال".
ثالثا: أن به تحقيق مصالح العباد والبلاد؛ من إقامة الصلاة، وإقامة الحج، وتحقيق وسائل التقدم والازدهار في الكون وعمرانه بما يرضي الله -عز وجل-, وحصول الأمن والطمأنينة لدى الناس على أعراضهم، وأموالهم، وبيوتهم، وحصول التوجه لكسب المعاش؛ لأن الناس إذا أمنوا على بيوتهم، وعلى أسرهم؛ توجهوا لكسب معاشهم، فهذا يعمل في وظيفته، وذاك يعمل في متجره، وذاك يعمل في مزرعته، وذاك في مصنعه، وهكذا.
رابعا: تقوية شوكة المسلمين واجتماعهم، فتصبح كلمتهم سواء، وقلوبهم متحدة، فهذا يعطي هيبة لهم في نظر العدو، فإذا اتحدوا واتفقوا وائتلفوا مع ولاتهم وأئمتهم صاروا شوكة في حلوق أعدائهم، وأرهبوهم، ولم يستطيعوا التجرؤ عليهم، أو الحط من كرامتهم، أو نحو ذلك من الأمور؛ فهذا كله من أظهر ثمرات الطاعة لولاة الأمور.
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: إن طاعة ولاة الأمور في غير معصية والدعاء والنصح لهم ومعاونتهم من واجبات الرعية؛ فعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "من كره من أميره شيئاً فليصبر؛ فإنه من خرج عن السلطان شبراً فمات فميتة جاهليه"(البخاري)؛ قال ابن الأثير في جامع الأصول: "فميتة جاهلية: أي على ما مات عليه أهل الجاهلية قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الجهالة والضلالة"، وعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "إنها ستكون بعدي أثرة, وأمور تنكرونها"، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم, وتسألون الله الذي لكم"(رواه البخاري).
فقوموا بوجباتكم تجاه ولاة أموركم، وأطيعوهم في غير معصية، وادعوا لهم بالصلاح والتوفيق والسداد, وطالبوهم بحقوقكم بالوسائل الشرعية، وانبذوا العنف، واسألوا الله أن يصلح البلاد والعباد, وأن يؤلف بين القلوب.
وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصلونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: لقد اقتضت سنة الله في خلقه أنه لا يصلح حالهم ولا تستقيم حياتهم إلا في ظل وجود من يسوسهم من حاكم أو أمير أو رئيس؛ فينظم لهم شؤونهم, ويوجه سلوكياتهم, ويحفظ حقوقهم, يقيم فيهم العدل ويدفع عنهم الظلم, ويمنع الفوضى, وينصح لأمته وشعبه، يأمن في وجوده الخائف ويقوى الضعيف, ويرتدع الظالم, وتصان الأعراض وتعصم الدماء, وتقام الحدود ويحفظ الدين, وهذا من أعظم الأعمال في حياة المجتمعات والشعوب والحضارات والأمم, فإذا لم يوجد في حياة الشعوب والمجتمعات والدول من يتولى إدارة حياتهم؛ تحولت الحياة إلى فوضى وصراعات لا تستقر معها حياة.
لَا يَصلحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ *** وَلَا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا.
وقال عبد الله بن المبارك:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا *** منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان معضلة *** في ديننا رحمة منا ودنيانا
لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل *** وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
عباد الله: إنه لمن الواجب على الأمة طاعة ولي أمرها في غير معصية, وقد دل على وجوب طاعته الكتاب والسنة وإجماع المسلمين, قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء:59].
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة؛ في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا, وأن لا ننازع الأمر أهله, قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان"(البخاري)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى من أميره شيئا يكرهه؛ فليصبر, فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية"(مسلم)، وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره, ما لم يؤمر بمعصية؛ فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(البخاري).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: إن خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوصاني إن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف"(مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أطاعني فقد أطاع الله, ومن يعصني فقد عصى الله, ومن يطع الأمير فقد أطاعني, ومن يعص الأمير فقد عصاني"(مسلم), وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشي كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ".
قال النووي: "أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية"(شرح مسلم), وقال الإمام الطحاوي: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا, ولا ندعوا عليهم, ولا ننزع يداً من طاعتهم, ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة؛ ما لم يأمروا بمعصية, وندعو لهم بالصلاح والمعافاة".
أيها الإخوة: إن لطاعة ولي الأمر في غير معصية مكاسب تعود على الأمة والمجتمع والأفراد؛ فمن ذلك:
أولا: امتثال أمر الله -عز وجل- حيث يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[النساء:59].
ثانيا: تحقيق الطاعة متى ما كانت في غير معصية لله ورسوله، كانت في مرضاة الله، وكنت مأجوراً عليها، وآثم عند التفريط فيها, فعن عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(مسلم).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال".
ثالثا: أن به تحقيق مصالح العباد والبلاد؛ من إقامة الصلاة، وإقامة الحج، وتحقيق وسائل التقدم والازدهار في الكون وعمرانه بما يرضي الله -عز وجل-, وحصول الأمن والطمأنينة لدى الناس على أعراضهم، وأموالهم، وبيوتهم، وحصول التوجه لكسب المعاش؛ لأن الناس إذا أمنوا على بيوتهم، وعلى أسرهم؛ توجهوا لكسب معاشهم، فهذا يعمل في وظيفته، وذاك يعمل في متجره، وذاك يعمل في مزرعته، وذاك في مصنعه، وهكذا.
رابعا: تقوية شوكة المسلمين واجتماعهم، فتصبح كلمتهم سواء، وقلوبهم متحدة، فهذا يعطي هيبة لهم في نظر العدو، فإذا اتحدوا واتفقوا وائتلفوا مع ولاتهم وأئمتهم صاروا شوكة في حلوق أعدائهم، وأرهبوهم، ولم يستطيعوا التجرؤ عليهم، أو الحط من كرامتهم، أو نحو ذلك من الأمور؛ فهذا كله من أظهر ثمرات الطاعة لولاة الأمور.
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: إن طاعة ولاة الأمور في غير معصية والدعاء والنصح لهم ومعاونتهم من واجبات الرعية؛ فعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "من كره من أميره شيئاً فليصبر؛ فإنه من خرج عن السلطان شبراً فمات فميتة جاهليه"(البخاري)؛ قال ابن الأثير في جامع الأصول: "فميتة جاهلية: أي على ما مات عليه أهل الجاهلية قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الجهالة والضلالة"، وعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "إنها ستكون بعدي أثرة, وأمور تنكرونها"، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم, وتسألون الله الذي لكم"(رواه البخاري).
فقوموا بوجباتكم تجاه ولاة أموركم، وأطيعوهم في غير معصية، وادعوا لهم بالصلاح والتوفيق والسداد, وطالبوهم بحقوقكم بالوسائل الشرعية، وانبذوا العنف، واسألوا الله أن يصلح البلاد والعباد, وأن يؤلف بين القلوب.
وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصلونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].