• !
admin

خطبة عن عاشوراء

الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: اخْتَارَ اللهُ -تَعَالَى- مِنَ السَّنَةِ أَشْهُرًا حُرُمًا؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36].
وَمِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ.. أَوَّلُ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ، وَكَانَ شَهْرًا مُحَرَّمًا بَعْدَ شَهْرِ الْحَجِّ؛ لِيَأْمَنَ الْحُجَّاجُ فِي سَفَرِهِمْ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَسُمِّيَ مُحَرَّمًا تَأْكِيدًا لِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَقَلَّبُ فِيهِ، فَتُحِلُّهُ عَامًا وَتُحَرِّمُهُ عَامًا.
وَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْهُرِ، وَهِيَ أَفْضَلِيَّةُ الصِّيَامِ فِيهِ؛ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ المُحَرَّمَ...» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «هَذَا إِنَّمَا كَانَ -وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- مِنْ أَجْلِ أَنَّ المُحَرَّمَ أَوَّلُ السَّنَةِ المُسْتَأْنَفَةِ الَّتِي لَمْ يَجِئْ بَعْدُ رَمَضَانُهَا، فَكَانَ اسْتِفْتَاحُهَا بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَالَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّهُ ضِيَاءٌ، فَإِذَا اسْتَفْتَحَ سَنَتَهُ بِالضِّيَاءِ مَشَى فِيهِ بَقِيَّتَهَا»اهـ.
وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المُحَرَّمَ: شَهْرَ اللهِ -تَعَالَى-، وَإِضَافَتُهُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُضِيفُ إِلَيْهِ إِلَّا خَوَاصَّ مَخْلُوقَاتِهِ.. وَلمَّا كَانَ هَذَا الشَّهْرُ المُحَرَّمُ مُخْتَصًّا بِإِضَافَتِهِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَكَانَ الصِّيَامُ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ مُضَافًا إِلَى اللهِ -تَعَالَى-؛ فَإِنَّهُ لَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ؛ نَاسَبَ أَنْ يَخْتَصَّ هَذَا الشَّهْرُ المُضَافُ إِلَى اللهِ بِالْعَمَلِ المُضَافِ إِلَيْهِ المُخْتَصِّ بِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ.
فَأَفْضَلُ زَمَانٍ يَتَطَوَّعُ فِيهِ مُتَطَوِّعٌ بِصَوْمٍ مُطْلَقٍ هُوَ هَذَا الشَّهْرُ المُحَرَّمُ، كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ.
الَيْوَمُ الْعَاشِرُ مِنْ مُحَرَّمٍ يَوْمٌ عَظِيمٌ؛ نَجَّى اللهُ -تَعَالَى- فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَغْرَقَ عَدُوَّهُ فِرْعَوْنَ، فَكَانَ أَتْبَاعُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَصُومُونَهُ شُكْرًا للهِ -تَعَالَى-، ثُمَّ تَوَارَثَ ذَلِكَ الْيَهُودُ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَبَقِيَ صِيَامُهُ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمُ الَّتِي مَا طَالَتْهَا أَيْدِي التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ إِلَى زَمَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَصَامَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي مَكَّةَ، فَصَامَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
ثُمَّ لمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى المَدِينَةِ رَأَى الْيَهُودَ يُعَظِّمُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَيَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، وَيَصُومُونَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ؛ َفَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
جَاءَ فِي فَضْلِ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً كَامِلَةً؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ غَفَرَ اللهُ لَهُ سَنَةً».

وقد ذكر شيخنا الفقيه العلامة ابن عثيمين رحمه الله ان صوم عاشوراء على مراتب:
اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ : ﺃﻥ ﻧﺼﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻭﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻭﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ: ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻟﻤﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻨﺪ:
‏«ﺻﻮﻣﻮﺍ ﻳﻮﻣﺎً ﻗﺒﻠﻪ ﻭﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪﻩ ﺧﺎﻟﻔﻮﺍ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ‏» ﻭﻷﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺻﺎﻡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻴﺎﻡ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﺮ.
ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ : اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻭﺍﻟﻌﺎﺷﺮ: ﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «ﻟﺌﻦ ﺑﻘﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﺑﻞ ﻷﺻﻮﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ » ﻟﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ: ﺇﻥ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺼﻮﻣﻮﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺤﺐ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﺑﻞ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻛﻞ ﻛﺎﻓﺮ.
اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ : ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ.
ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ : ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻭﺣﺪﻩ : ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﻣﺒﺎﺡ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﻳﻜﺮﻩ ﻓﻤﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﻣﺒﺎﺡ ﺍﺳﺘﺪﻝ ﺑﻌﻤﻮﻡ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﺣﻴﻦ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ ﺻﻮﻡ ﻳﻮﻡ ﻋﺎﺷﻮﺭﺍﺀ ﻓﻘﺎﻝ : «ﺃﺣﺘﺴﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻔﺮ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻬﺎ‏»؛ ﻭﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ، ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﻳﻜﺮﻩ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: ‏«ﺧﺎﻟﻔﻮﺍ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﺻﻮﻣﻮﺍ ﻳﻮﻣﺎً ﻗﺒﻠﻪ ﺃﻭ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪﻩ »؛ ﻭﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﺁﺧﺮ: ‏«ﺻﻮﻣﻮﺍ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻳﻮﻣﺎً ﻗﺒﻠﻪ ».
ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻭﺟﻮﺏ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﻳﻮﻡ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ: ﻛﺮﺍﻫﺔ ﺇﻓﺮﺍﺩﻩ
ﻭﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺎﻟﻜﺮﺍﻫﺔ ﻹﻓﺮﺍﺩﻩ ﻗﻮﻱ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺑﺄﻥ ﻳﺼﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻗﺒﻠﻪ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ).


الخطبة الثانية:

اَلْحَمْد لِلَّهِ عَظِيمٍ اَلْإِحْسَانِ ، وَاسِع اَلْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالِامْتِنَانِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . أَمَّا بُعْدٌ : عِبَادُ اَللَّهِ ، اِتَّقَوْا اَللَّهُ تَعَالَى .
عِبَادُ اَللَّهِ : لَقَدْ عَرَفْنَا مِنْ خِلَالِ مَا سَبَقَ مَا يَشْرَعُ لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَهُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَأَنَّ اَلسَّنَةَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ صِيَامَهُ شُكْرًا لِلَّهِ ، وَتَحَرِّيًا لِعَظِيمٍ مَوْعُودِهِ لِلصَّائِمِينَ ، وَأَعْظَمُ اَلنَّاسِ أَجْرًا فِي اَلصِّيَامِ أَكْثَرُهُمْ فِيهِ ذَكَرًا لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، هَذِهِ هِيَ اَلسَّنَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ .
عِبَادُ اَللَّهِ : وَقَدْ شَاءَ اَللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - أَنْ يَقَعَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ حَدَثَ عَظِيمٌ ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ وَاحِدٍ وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ ، حَيْثُ إِنَّهُ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ قَتْلَ اَلْحُسَيْنْ بْنْ عَلِي - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - ظُلْمًا وَجَوْرًا وَعُدْوَانًا ، وَإِنَّ قَتْلَهُ يُعِدُّهُ أَهْلُ اَلْإِيمَانِ مُصِيبَةً عَظِيمَةً ، وَرَزِيَّةُ كَبِيرَةً . وَلَكِنَّ اَلْمُسْلِمَ مَأْمُور بِالْمُصَابِ - أَيْ مُصَابٍ كَانَ - أَنْ يَصْبِرَ وَيُحْتَسَبُ وَأَنْ يَسْتَرْجِعَ ، وَأَنْ يُفَوِّضَ أَمْرُهُ إِلَى اَللَّهِ قَالَ اَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( وَلْنَبْلَوْنَكَمْ بِشَيْءٍ مِنْ اَلْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ اَلْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) [ اَلْبَقَرَةَ : 155 - 156 ] .
وَقَدْ قُتِلَ قَبْلَ اَلْحُسَيْنْ مِنْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ ، قَتَلَ وَالِدُهُ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ ، وَقُتِلَ عُثْمَانْ بْنْ عَفَّانْ ، وَقَتْلَ عُمَرْ بْنْ اَلْخَطَّابْ ، وَقَتْل مِنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ ، فَقَدْ قُتِلَ أَنْبِيَاءُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَلَيْسَ يَطْلُبُ مِنْ اَلنَّاسِ فِي اَلْمَصَائِبِ سِوَى اَلِاسْتِرْجَاعِ وَالصَّبْرِ عَلَى اَلْمُصَابِ ، وَرَجَاءُ مَوْعُودٌ اَللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - لِلصَّابِرِينَ .
إِلَّا أَنَّهُ حَصَلَ أَنَّ وَجَدَ مُذَهَّبَانِ مُنْحَرِفَانِ عَلَى إِثْرِ هَذَا اَلْحَدَثِ ؛ اَلْمَذْهَبِ اَلْأَوَّلِ اِتَّخَذَ يَوْمُ مَقْتَلِ اَلْحُسَيْنْ مَأْتَمًا يُظْهِرُونَ فِيهِ اَلْحُزْنُ وَالْبُكَاءُ وَالنِّيَاحَة وَلَطْمِ اَلْخُدُودِ وَشَقِّ اَلْجُيُوبِ ، وَكُلَّ هَذِهِ اَلْأَعْمَالِ لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَالِ اَلْإِسْلَامِ ، وَلَيْسَتْ مِنْ دِينِ اَللَّهِ ؛ بَلْ جَاءَ دِينُ اَللَّهِ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهَا ، جَاءَ فِي اَلْحَدِيثِ عَنْ اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ اَلْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهَا : اَلْفَخْرُ فِي اَلْأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي اَلْأَنْسَابِ ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَة عَلَى اَلْمَيِّتِ " . وَالنَّائِحَةُ - إِذَا لَمْ تَتُبْ - تُقَام يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالُ مِنْ قَطْرَانٍ ، وَدِرْع مِنْ جَرَبٍ . وَجَاءَ فِي اَلْحَدِيثِ اَلْآخَرِ أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " لَيْسَ مِنَّا مِنْ لَطْمِ اَلْخُدُودِ ، وَشَقَّ اَلْجُيُوبِ ، وَدَعَا بِدَعْوَى اَلْجَاهِلِيَّةِ " . وَثَبَتَ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اَلسَّالِقَة وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّة " ، وَالسَّالْقَة - عِبَادُ اَللَّهِ - هِيَ اَلَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ عِنْدَ اَلْمُصِيبَةِ ، وَالْحَالِقَةُ اَلَّتِي تُحَلِّقُ شِعْرَهَا وَتَقْطَعُ شِعْرَهَا عِنْدَ اَلْمُصِيبَةِ ، وَالشَّاقَّةَ اَلَّتِي تَشُقُّ ثَوْبَهَا عِنْدَ اَلْمُصِيبَةِ ، وَالْحُكْمُ يَتَنَاوَلُ اَلرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ؛ وَلَكِنْ ذَكَرَ - عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اَلنِّسَاءُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ اَلْغَالِبُ فِيهِنَّ . وَأَمَّا اَلْمَذْهَبُ اَلْآخَرُ فَهُوَ مَذْهَبٌ عَلَى اَلنَّقِيضِ لِهَذَا اَلْمَذْهَبِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مِنْ يُنَاصِبُونَ آلَ اَلْبَيْتُ اَلْعَدَاءُ ، فَاِتَّخَذُوا هَذَا اَلْيَوْمِ يَوْمَ فَرَحِ وَسُرُورْ ، وَيَوْمَ عِيدٍ وَحُبُورٍ ، يُوَسِّعُونَ فِيهِ عَلَى اَلْأَوْلَادِ ، وَيَتَبَادَلُونَ فِيهِ اَلْهَدَايَا ، وَيَصْنَعُونَ فِيهِ أَنْوَاعًا مِنْ اَلْأَطْعِمَةِ اَلْمَخْصُوصَةِ ، وَيَجْعَلُونَهُ يَوْمَ فَرَحِ وَسُرُورْ ، وَذَاكَ اَلْمَذْهَبُ بَاطِلٌ ، وَهَذَا اَلْمَذْهَبُ بَاطِلٌ .
وَدِينَ اَللَّهِ وَسَط بَيْنَ اَلْغُلُوِّ وَالْجَفَاءِ ، وَالْإِفْرَاطُ وَالتَّفْرِيطُ ، وَالْوَاجِبُ أَنْ نَعْرِفَ لِآلِ اَلْبَيْتِ حَقَّهُمْ ، وَلَكِنَّ دُونُ غُلُوٌّ وَجَفَاءٌ ، وَدُونُ إِفْرَاطٍ وَتَفْرِيطٍ .
رَحِمَ اَللَّهُ اَلْحُسَيْنْ ، وَرَضِيَ عَنْهُ ، وَأَسْكَنَهُ اَلْجَنَّةَ وَهُوَ وَأَخُوهُ اَلْحَسَنْ سَيِّدًا شَبَابَ اَلْجَنَّةِ ، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ عَنْ اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَنَسْأَلُ اَللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - بِأَسْمَائِهِ اَلْحُسْنَى ، وَصِفَاتُهُ اَلْعَلِيَّ ، أَنْ يَجْمَعَنَا وَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُ فِي جَنَّاتْ نَعِيم مَعَ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَآلَ اَلْبَيْتُ وَالتَّابِعِينَ ، وَانْ يَهْدِينَا وَإِيَّاكُمْ سَوَاءٍ اَلسَّبِيلِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا اَلتَّمَسُّكُ بِالسَّنَةِ ، وَالسَّيْرُ عَلَى وَفْقِهَا ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا اَلْبِدَعَ ، وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنْهَا . وَصَلُوا - رَعَاكُمْ اَللَّهُ - عَلَى مُحَمَّدْ بْنْ عَبْدِ اَللَّهْ كَمَا أَمْركُمْ اَللَّهَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ : ( إِنَّ اَللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَصِلُونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [ اَلْأَحْزَابِ : 56 ] ، وَقَالَ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مِنْ صَلَّى عَلَى وَاحِدَةٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا " .
اَللَّهُمَّ صِلْ عَلَى مُحَمَّدْ وَعَلَى آلَ مُحَمَّدْ كَمَا صُلِّيَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمْ وَعَلَى آلَ إِبْرَاهِيمْ إِنَّكَ حَمِيدْ مَجِيدْ ، وَبَارَكَ عَلَى مُحَمَّدْ وَعَلَى آلَ مُحَمَّدْ كَمَا بَارَكَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمْ وَعَلَى آلَ إِبْرَاهِيمْ إِنَّكَ حَمِيدْ مَجِيدْ . . .
بواسطة : admin
 0  0  177