• !
admin

تعظيم الله تعالى

الحمد لله العظيم المتعال، ذي العظمة والكبرياء والجلال، له الأسماء الحسنى والصفات العليا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العطاء والفضل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، طيب الشمائل كريم الخصال، صلى الله وسلم عليه وعلى الصحب والآل؛ أما بعد:

فيا أيها المؤمنون:

اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه، وعظِّموا - أيها المؤمنون – ربكم بقلوبكم؛ فإن تعظيم الله جل وعلا من أعظم العبادات القلبية، وهو من أجَلِّ وأشرف أعمال القلوب.

عباد الله: ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (( جاء حَبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجرَ على إصبع، والماءَ والثرى على إصبع، وسائرَ الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الْحَبر؛ ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67] )).

إن الله تعالى جلَّت قدرته له العظمة والكبرياء، وهو القادر المتصرف في الكون بكل ما فيه، لا تخفى عليه خافية مهما صغرت، وهو سبحانه المتفضل على عباده بكل النعم التي لا تعد ولا تحصى، ولو قام العباد بعبادة الله تعالى طيلة أيامهم وأعمارهم، لما وفوا ولا نعمة واحدة من نعم الله عز وجل.

عبادالله:
إن الغفلة عن تعظيم الله حق تعظيمه ومعرفة حق قدره يعود إلى الجهل به؛ قال ابن القيم رحمه الله: فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب سبحانه في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حقَّ عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته؛ قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]؛ قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما: لا ترجون لله عظمة، وقال سعيد بن جبير رحمه الله: ما لكم لا تعظمون الله حقَّ عظمته، وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت[1].

وإن القلب المعظِّم لله الذي يقدُر ربه حق قدره؛ ويعظّمه سبحانه وتعالى حق تعظيمه؛ هو ذلك القلبُ الذي تحقق فلاحه ونجاحه وسعادته في دنياه وأُخراه، وإذا كان القلب معظِّماً لله فإن صاحب هذا القلب يعظم شرعَ الله، ويعظّم دينَ الله، ويعرف مكانةَ رُسُلِ الله، وعرف أحقية الله عز وجل بالذل والخضوع له؛ والخشوع والانكسار بين يديه.

أيها المسلمون، لقد ذم الله تعالى من لم يعظِّمه حق عظمته، ولا عرَفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته؛ قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]؛ أي: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته؟! إن روح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت العبادة.

أيها الإخوة: إن تعظيم الله يعود على العبد بفوائد كثيرة؛ منها أن المسلم الذي امتلأ قلبه بعظمة الله لديه ثقة مطلقة بالله، فتجده هادئ البال، ساكن النفس، مهما ضاقت به السبل، كما أن استشعار عظمة الله تملأ القلب رضًا وصبرًا.

إن معرفتنا بعظمة الله تُورِث القلب الشعور بمعيته سبحانه، وتمنحنا الطمأنينة في المحن، والبصيرة في الفتن، كما أن استشعار عظمة الله ومعيته تبعث في النفس معنى الثبات والعزة، وتقوِّي العزائم حتى في أشد حالات الضعف.
والعبد في كل أحواله محتاج لربه سبحانه وتعالى ومن عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة
والقلوب ياعباد الله إذا عظَّمتِ الله، عظُم في النفوس شرعُ الله، وعظُمت حرمات الله، وصلحت أحوال العباد؛ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].


الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

عبادالله: اتقوا وأعلموا رحمكم الله أن من أعظم ما يعين العبد على تحقيق عبودية التعظيم للرب جل جلاله: أن يتفكر في مخلوقاته العظيمة وآياته الجسيمة، الدالة على عظمة مبدعها وكمال خالقها، إنها آيات عِظَام، وشواهد جِسام على عظمة المبدِع، وكمال الخالق: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].

إن تفكُّر المؤمن وتأمله في آيات الله العظيمة ومخلوقاته الباهرة تهدي قلبه، وتسوقه إلى تعظيم خالقه، تفكر - أيها المؤمن - في هذه الأرض التي تمشي عليها وما خلق الله فيها ستُحِسُّ من خلال تأملك لها أنها مخلوق عظيم، في عظمة باهرة تبهر القلوب وتشدها، فإذا نظرت إلى ما علمنا عن مخلوقات عظيمة بين الأرض والسماء، ازدادت لديك معرفة عظمة هذا الكون الفسيح، فإذا ما وسعت النظر، ونظرت فيما هو أعظم من ذلك، وتأملت في السماوات السبع، صغُرت الأرض وما حولها أمام هذه السماوات المحيطة بها، ثم إذا تأملت في ذلكم المخلوق العظيم الذي قال الله عنه في أعظم آية في كتاب الله قال جل شأنه: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255]: أي: أحاط بها، فتتضاءل عظمة السماوات، وعظمة الأرض أمام عظمة هذا الكرسي الذي هو مرقاة العرش، ثم تتضاءل هذه العظمة إذا تأمل العبد في النسبة بين عظمة الكرسي وعظمة العرش المجيد؛ أوسع المخلوقات وأعظمها؛ ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ((ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، والعرش فوق السماء، والله تبارك وتعالى فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه)).
بواسطة : admin
 0  0  259