حقوق كبار السن
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين و خالق الخلق أجمعين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتقُوا اللهَ - عبادَ اللهِ - فقَد نَجَا مَنِ اتَّقَى، وضَلَّ مَن قَادَهُ الهَوَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
أيهَا المؤمنونَ: من المكارمِ العَظيمةِ، والفَضَائِلِ الجَسيمَةِ التي كَفَلَهَا الإسلامُ ودَعَا وأَكَّدَ عليهَا: مُراعَاةُ قَدْرِ كِبارِ السِّنِّ، ومَعرفةُ حَقِّهِمْ، وحِفظُ وَاجِبِهِمْ، والتَّأدُّبُ مَعهُم، ومَعرفَةُ مَا لَهم مِن حُقُوقٍ ووَاجِبَاتٍ.
دَخلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَاتحاً مُنتصِراً، وإذا بأَبي بَكْرٍ رضيَ اللهُ عَنهُ وأَرضَاهُ آخِذًا بَيَدِ أبيهِ أَبِي قُحَافَةَ، ذلكَ الشيخُ الكَبِيرُ، يَسُوقُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا رَآهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ. رواهُ الإمامُ أَحمدُ، وصَححهُ الألبانيُّ.
وذكرَ الإمامُ مُسلمْ في مقدمةِ كِتابهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى اللهُ تعالى عنها أَنَّهَا قَالَتْ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ". وثَبتَ عَنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا" رواهُ أبو دَاودَ. وثَبتَ عَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: " إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" رواهُ الإمامُ أَحمدُ.
عبادَ اللهِ:
إنَّ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ مِنْ إجْلالِ اللَّهِ سُبْحَانَه وَتَعَالَى، إِنَّ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى اللهِ وَيَطْلُبُونَ بِهِ ثَوابَ اللَّهِ عَزَّ وَجلَّ وَعَظِيمَ مَوْعُودِهِ.
ثُم إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعَظُمُ وَيَكْبُرُ مِنْ جِهَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ؛ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا فَلَهُ حَقُّ الْقَرَابَةِ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ، وَإِذَا كَانَ جَارًا فَإضافَةً إِلَى حَقِّهِ فِي كِبَرِ سِنِّهِ فَلَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَهُ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ حَقُّ الْإِسْلامِ، وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَالْحَقُّ أَعْظَمُ، بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَقُّ كِبَرِ السِّنِّ؛ إِذْ إِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِحِفْظِ حَقِّ الْكَبِيرِ حَتَّى مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينِ، فَهَا هُوَ الْفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْه وَأَرْضَاهُ رَأَى شَيْخًا ضَرِيرًا يهُودِيًّا، يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى النَّاسِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَرَضْتُمْ عَلِيَّ الْجِزْيَةَ وَأَنَا كَبِيرُ السِّنِّ لَا أَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ لِأُؤَدِّيَ مَا عَلَيَّ، فَلَجَأْتُ إِلَى مَدِّ يَدِي إِلَى النَّاسِ، فَرَقَّ لَهُ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَ بِإِسْقاطِ الْجِزْيَةِ عَنْه وَقَالَ: "وَاللهُ مَا أَنْصَفْنَاهُ، أَنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَهُ، ثُمَّ نَخْذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ"، وَأَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ يَهُودِيِّ كَبِيرٍ فِي السِّنِّ.
ومن المحزن كثيراً اً أن ترى بعضه كبار السن وبعد أن قضوا حياتهم في خدمة أولادهم وتربيتهم إما في دار المسنين أو يجلسون لوحدهم؛ حيث لا أنيس ولا صاحب، وأولادهم بعيدون عنهم لاهون بدنياهم وهم بعجزهم وشيبتهم لا يهتم بهم أحد.. إن منظر الأب المسن في دار المسنين وهو يتفرس في زوّاره يظنهم أبناءه منظرٌ يبكي القلب قبل العين.. ولسان حاله وهو بدار المسنين يقول:
لقد أصبح كبير السن اليوم غريبًا حتى بين أهلِه وأولاده، إلا من رحم الله، ثقيلاً حتى على أقربائه وأصدقائه، لا يجالسه أحد! هذا إن كان معافًى فكيف بغير ذلك؟!
ومؤسف جداً أن نرى عدداً من صغارنا لا يُوقّرُ كبار السن؛ إذا تكلم قاطعه، وإذا أبدى رأيه سفَّهه فأصبحت حكمته وخبرته في الحياة إلى ضياع وخسران.. ولاشك أن لدينا من الأمثلة الرائعة في البرّ والإحسان بالوالدين وكبار السن ما يثلج الصدر ويسعد القلب..
أيها الأحبة.. كبارُنا خيارنا، أهل الفضل والحلم، هم قدوتنا وأئمتُنا إلى الطاعة والبر، هم خبرات تنتظر من يستفيد منها، ويوظّفها لصالح العباد والبلاد بدلاً من إضاعتها سدًى كما يُفعل بالمتقاعدين ممن أنهى خبرة عملية، ثم لا يُستفادُ من خبرته أو يبذل شيئاً منها لجهةٍ اجتماعية أو خيريّة..
معاشر كبار السن.. الله يرحم ضعفكم، ويجبر كسركم، إنا لنعلم أنه قد تجعّد جلدكم، وثقل سمعكم، وضعف بصركم، وتغيّر لون شعركم، ومع ذلك فأنتم كبارٌ في قلوبنا ونفوسنا، بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، فأنتم من علَّم وربىّ وضحى..
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا
أما بعد: أيها المؤمنون عباد الله اتقوا الله تعالى ..
عباد الله إن كبار السن يظهر عليهم في كبر سنهم الوقار والطمأنينة والحرص على الخير والبعد عن المحرمات والإقبال على الله عز وجل وكل منهم يشعر بدنو الأجل ومفارقة هذه الحياة.
دخل سليمان بن عبد الملك دخل المسجد فرأى رجل مسناً كبيراً فدنا منه فقال له يا شيخ أتحب الموت. قال: لا قال وبما ذاك؟ قال ذهب الشباب وشره وجاء الكبر وخيره فأنا إذا قمت قلت بسم الله وإذا قعدت قلت الحمد لله فأنا أريد أن يبقى هذا لي وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "خيركم من طال عمره وحسن عمله"
عباد الله إن هؤلاء الأفاضل الأخيار والأماثل الأبرار أهل الدعاء والسجود والطاعة والإقبال على الله أهل الإكثار من الاستغفار الداعين الله عز وجل لهم ولذويهم ولعموم المسلمين حقهم علينا أن نعرف قدرهم وأن نرعى مكانتهم فهم إي والله زينة البيوت وجمالها.
ارحموا كبارَ السن وقدَّروهم ووقِّروهم وأجلُّوهم؛ فالله يحب ذلك ويثني عليه خيرًا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم"، وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا".
إذا رأيت الكبير فارحم ضعفه، وأكبر شيبَهُ، وقدِّر منزلته وارفع درجته، وفرَّج كُربته، يَعظُم لك الثواب، جاء أبو بكر -رضي الله عنه- بأبيه أبي قحافة للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة، يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فقال له: "لو أقررتَ الشيخ في بيته لأتيناه".
وإن من أعظم من يجب علينا إكرامهم والإحسان إليهم هم الوالدان لاسيما عند الكِبَر قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام المرسلين وقدوة عباد الله أجمعين محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إنَّ الله وملائكته يُصلُّون على النبي يا أيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلموا تسليما﴾ الأحزاب:56، وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا" اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي السبطين علي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وألبسه ثوب الصحة والعافية يا ذا الجليل والإكرام اللهم وفقه وولي عهدك بتوفيقه وسددهم في أقوالهم وأعمالهم اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا اللهم اغفر ذنوب المذنبين اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين ونفِّس كرب المكروبين واقض الدين على المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه اللهم اغفر لنا اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك أنت الغفور الرحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتقُوا اللهَ - عبادَ اللهِ - فقَد نَجَا مَنِ اتَّقَى، وضَلَّ مَن قَادَهُ الهَوَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
أيهَا المؤمنونَ: من المكارمِ العَظيمةِ، والفَضَائِلِ الجَسيمَةِ التي كَفَلَهَا الإسلامُ ودَعَا وأَكَّدَ عليهَا: مُراعَاةُ قَدْرِ كِبارِ السِّنِّ، ومَعرفةُ حَقِّهِمْ، وحِفظُ وَاجِبِهِمْ، والتَّأدُّبُ مَعهُم، ومَعرفَةُ مَا لَهم مِن حُقُوقٍ ووَاجِبَاتٍ.
دَخلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَاتحاً مُنتصِراً، وإذا بأَبي بَكْرٍ رضيَ اللهُ عَنهُ وأَرضَاهُ آخِذًا بَيَدِ أبيهِ أَبِي قُحَافَةَ، ذلكَ الشيخُ الكَبِيرُ، يَسُوقُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا رَآهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: "أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ. رواهُ الإمامُ أَحمدُ، وصَححهُ الألبانيُّ.
وذكرَ الإمامُ مُسلمْ في مقدمةِ كِتابهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى اللهُ تعالى عنها أَنَّهَا قَالَتْ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ". وثَبتَ عَنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا" رواهُ أبو دَاودَ. وثَبتَ عَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: " إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" رواهُ الإمامُ أَحمدُ.
عبادَ اللهِ:
إنَّ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ مِنْ إجْلالِ اللَّهِ سُبْحَانَه وَتَعَالَى، إِنَّ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى اللهِ وَيَطْلُبُونَ بِهِ ثَوابَ اللَّهِ عَزَّ وَجلَّ وَعَظِيمَ مَوْعُودِهِ.
ثُم إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعَظُمُ وَيَكْبُرُ مِنْ جِهَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ؛ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا فَلَهُ حَقُّ الْقَرَابَةِ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ، وَإِذَا كَانَ جَارًا فَإضافَةً إِلَى حَقِّهِ فِي كِبَرِ سِنِّهِ فَلَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَهُ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ حَقُّ الْإِسْلامِ، وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَالْحَقُّ أَعْظَمُ، بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَقُّ كِبَرِ السِّنِّ؛ إِذْ إِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِحِفْظِ حَقِّ الْكَبِيرِ حَتَّى مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينِ، فَهَا هُوَ الْفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْه وَأَرْضَاهُ رَأَى شَيْخًا ضَرِيرًا يهُودِيًّا، يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى النَّاسِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَرَضْتُمْ عَلِيَّ الْجِزْيَةَ وَأَنَا كَبِيرُ السِّنِّ لَا أَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ لِأُؤَدِّيَ مَا عَلَيَّ، فَلَجَأْتُ إِلَى مَدِّ يَدِي إِلَى النَّاسِ، فَرَقَّ لَهُ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَ بِإِسْقاطِ الْجِزْيَةِ عَنْه وَقَالَ: "وَاللهُ مَا أَنْصَفْنَاهُ، أَنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَهُ، ثُمَّ نَخْذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ"، وَأَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ يَهُودِيِّ كَبِيرٍ فِي السِّنِّ.
ومن المحزن كثيراً اً أن ترى بعضه كبار السن وبعد أن قضوا حياتهم في خدمة أولادهم وتربيتهم إما في دار المسنين أو يجلسون لوحدهم؛ حيث لا أنيس ولا صاحب، وأولادهم بعيدون عنهم لاهون بدنياهم وهم بعجزهم وشيبتهم لا يهتم بهم أحد.. إن منظر الأب المسن في دار المسنين وهو يتفرس في زوّاره يظنهم أبناءه منظرٌ يبكي القلب قبل العين.. ولسان حاله وهو بدار المسنين يقول:
أرسلتُ روحي إلى داري تطوف بها *** لمّا خــُـــطانا إليها مالها سـبلُ
أن تسـأَل الدار إن كانت تذكّرُنا *** أم أنّها نســيت إذ أهلَها رحلوا
هيهاتُ يا دار أن تصفو الحياةُ بنا *** ويرجع الجمعُ بعد النأي مكتمــلُ
إن مِتُ يا ولدي أو طال الفراق بـنا *** فالصبر يا ولدي لا يضعفْ لنا أمــــلُ
أن تسـأَل الدار إن كانت تذكّرُنا *** أم أنّها نســيت إذ أهلَها رحلوا
هيهاتُ يا دار أن تصفو الحياةُ بنا *** ويرجع الجمعُ بعد النأي مكتمــلُ
إن مِتُ يا ولدي أو طال الفراق بـنا *** فالصبر يا ولدي لا يضعفْ لنا أمــــلُ
لقد أصبح كبير السن اليوم غريبًا حتى بين أهلِه وأولاده، إلا من رحم الله، ثقيلاً حتى على أقربائه وأصدقائه، لا يجالسه أحد! هذا إن كان معافًى فكيف بغير ذلك؟!
ومؤسف جداً أن نرى عدداً من صغارنا لا يُوقّرُ كبار السن؛ إذا تكلم قاطعه، وإذا أبدى رأيه سفَّهه فأصبحت حكمته وخبرته في الحياة إلى ضياع وخسران.. ولاشك أن لدينا من الأمثلة الرائعة في البرّ والإحسان بالوالدين وكبار السن ما يثلج الصدر ويسعد القلب..
أيها الأحبة.. كبارُنا خيارنا، أهل الفضل والحلم، هم قدوتنا وأئمتُنا إلى الطاعة والبر، هم خبرات تنتظر من يستفيد منها، ويوظّفها لصالح العباد والبلاد بدلاً من إضاعتها سدًى كما يُفعل بالمتقاعدين ممن أنهى خبرة عملية، ثم لا يُستفادُ من خبرته أو يبذل شيئاً منها لجهةٍ اجتماعية أو خيريّة..
معاشر كبار السن.. الله يرحم ضعفكم، ويجبر كسركم، إنا لنعلم أنه قد تجعّد جلدكم، وثقل سمعكم، وضعف بصركم، وتغيّر لون شعركم، ومع ذلك فأنتم كبارٌ في قلوبنا ونفوسنا، بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، فأنتم من علَّم وربىّ وضحى..
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا
أما بعد: أيها المؤمنون عباد الله اتقوا الله تعالى ..
عباد الله إن كبار السن يظهر عليهم في كبر سنهم الوقار والطمأنينة والحرص على الخير والبعد عن المحرمات والإقبال على الله عز وجل وكل منهم يشعر بدنو الأجل ومفارقة هذه الحياة.
دخل سليمان بن عبد الملك دخل المسجد فرأى رجل مسناً كبيراً فدنا منه فقال له يا شيخ أتحب الموت. قال: لا قال وبما ذاك؟ قال ذهب الشباب وشره وجاء الكبر وخيره فأنا إذا قمت قلت بسم الله وإذا قعدت قلت الحمد لله فأنا أريد أن يبقى هذا لي وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "خيركم من طال عمره وحسن عمله"
عباد الله إن هؤلاء الأفاضل الأخيار والأماثل الأبرار أهل الدعاء والسجود والطاعة والإقبال على الله أهل الإكثار من الاستغفار الداعين الله عز وجل لهم ولذويهم ولعموم المسلمين حقهم علينا أن نعرف قدرهم وأن نرعى مكانتهم فهم إي والله زينة البيوت وجمالها.
ارحموا كبارَ السن وقدَّروهم ووقِّروهم وأجلُّوهم؛ فالله يحب ذلك ويثني عليه خيرًا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم"، وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا".
إذا رأيت الكبير فارحم ضعفه، وأكبر شيبَهُ، وقدِّر منزلته وارفع درجته، وفرَّج كُربته، يَعظُم لك الثواب، جاء أبو بكر -رضي الله عنه- بأبيه أبي قحافة للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة، يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فقال له: "لو أقررتَ الشيخ في بيته لأتيناه".
وإن من أعظم من يجب علينا إكرامهم والإحسان إليهم هم الوالدان لاسيما عند الكِبَر قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام المرسلين وقدوة عباد الله أجمعين محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إنَّ الله وملائكته يُصلُّون على النبي يا أيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلموا تسليما﴾ الأحزاب:56، وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا" اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي السبطين علي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وألبسه ثوب الصحة والعافية يا ذا الجليل والإكرام اللهم وفقه وولي عهدك بتوفيقه وسددهم في أقوالهم وأعمالهم اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا اللهم اغفر ذنوب المذنبين اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين ونفِّس كرب المكروبين واقض الدين على المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه اللهم اغفر لنا اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك أنت الغفور الرحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.