• !
admin

قراءة القرآن في رمضان

الحمد لله الذي جعل القرآن مناراً للمهتدين، وضياءً للسالكين، ومعجزة باقية إلى يوم الدين؛ لا يعتريه النقص والتبديل، ولا التحريف والتغيير، محفوظ بحفظ الله الذي أنزله، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى في السّر والعلن والغيب والشهادة وأكثروا من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله.
ثم اعلموا - رحمكم الله - أن لشهر رمضان الكريم - شهر الصيام والقيام - خصوصيةً بالقرآن ؛ فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم هدى للناس يقول الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:١٨٥] ، فأخبر سبحانه بخصوصية شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه ، بل لقد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تتنزّل فيه على الأنبياء ، كما في المسند للإمام أحمد والمعجم الكبير للطبراني فلمزيد شرف القرآن الكريم وعظيم فضله وجلالة مكانته إنزل جملةً واحدة إلى بيت العزّة من السماء الدنيا وكان ذلك في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [الدخان:٣] ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر:١] ، وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:١٨٥] ، فدلت هذه الآيات الثلاث على أن القرآن الكريم أُنزل في ليلة واحدة توصف بأنها ليلة مباركة ؛ وهي ليلة القدر ، وهي من ليالي شهر رمضان المبارك، ثم بعد ذلك نزل مفرّقاً على مواقع النجوم يتلو بعضه بعضا بحسب الوقائع والأحداث ، هكذا رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما من غير وجه؛ فروى الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( أُنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدّنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله يُنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض )).
عباد الله: إن الحكمة في هذا النزول هي تعظيم القرآن الكريم ، وتعظيم أمر من نزل عليه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم الشهر الذي نزل فيه وهو شهر رمضان المبارك الذي نعيش الأيام أيامه الفاضلة ولياليه الكريمة، وفي ذلك أيضا تفضيل لليلة التي نزل فيها وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [سورة القدر] .
أيُّها المسلمون: لقد تَعاهَدَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- القرآنَ سواءً في رمضانَ أو في غيرِ رمضان، وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وأصحابُهُ والتابِعونَ يَهتَمونَ بالقرآن؛ تِلاوةً ومُراجَعَةً وتَدَبُّراً، وكانوا يَهتمونَ بهِ في رمضانَ أكثرَ من اهتِمامِهم بهِ في غيره، بل إنَّ جبريل -عليه السلام-، كانَ يُدارِسُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- القرآنَ في كُلِّ رمضان ،لم يُذكَرْ أنَّهُ يَنزِلُ عليهِ في شهرِ مُحرَّم لمدارَسَةِ القرآنِ كاملا، أو يَنزِلُ عليهِ في شهرِ شعبانَ أو شوال، وإنَّما جاءَ الحديثُ أنَّهُ ينزلُ عليهِ في شهرِ رمضان، يُراجِعُ معهُ القرآن، يُدارِسُهُ القرآن، حتى إذا كانَ الرَّمَضانَ الأخيرَ لهُ عليهِ الصلاةُ والسلام الذي تُوُفِّيَ بعدَهُ بأشهر، نزلَ إليهِ جبريلُ فراجَعَ معهُ القرآنَ ودارَسَهُ معهُ مَرَّتَينِ في رمضانَ واحِد (رواه مسلم)، ولقد كانَ عليهِ الصلاةُ السلامُ يَتلو القرآنَ طِوالَ أيامِه، ويَهتَمُّ بهِ اهتماما عظيما في رَمَضان.
عباد الله: لقد أدركَ السَّلفُ الصالِح، والتابعون لهم بإحسان سِرَّ عظمةِ القرآن، فطاروا بعجائبه، وعاشوا مواعظَه، وفي المواسم الفاضلة يَزداد التعلُّق به، ويشتدُّ التسابُق إلى قراءته؛ فإذا قِرأتَ في سِيَرِهم وجدتَ أنَّ الواحِدَ منهم كانَ يَقرأُ في رمضانَ الشيءَ الكثير، حتى إنَّكَ لَتَعجَبُ هل يستطيعُ أن يَصنعَ ذلك؟!
يقول عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: "يَنبغي لحاملِ القرآن أن يُعرفَ بلَيلِه إذ الناس نائِمون، وبنهارِه إذ الناس مُفطِرون، وبحُزنِه إذ الناس يفرحون، وببكائِه إذ الناس يَضحكون، وبصَمتِه إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون".
وكان الزهريُّ -رحمه الله- إذا دخل رمضان يقول: "إنَّما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام"، وكان الإمام مالك -رحمه الله -: "إذا دخل رمضانُ ترك قراءة الحديث وأقبل على القرآن"، وقال عبدالرازق: "كان سفيان الثوريُّ إذا دخل رمضان تَرَك جميعَ العبادة، وأقبل على قراءة القرآن".
نسألُ اللهَ -تعالى- أن يَجعَلَنا جميعاً من أهلِ القرآنِ الذينَ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه، وأن يَرزُقَنا فيهِ التلاوَةَ والإخلاصَ للهِ وَحدَه.
أقولُ ما تَسمعونَ، وأستغفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ من كُلِّ ذَنبٍ؛ فاستَغفِروهُ وتوبوا إليهِ؛ إنَّهُ هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:


الحمدُ للهِ على إحسانهِ والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانهِ وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماً لشأنه وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الداعي إلى رضوانهِ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ وإخوانهِ وخِلَّانهِ ومن سارَ على نَهجِهِ واقتَفى أثَرَهُ واستَنَّ بسُنتهِ إلى يومِ الدين، أما بعدُ:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنّ َكَثرةُ قراءةِ القرآنِ سببٌ لِرفعةِ الدرجاتِ، ولِرضا ربِّ الأرضِ والسماوات.
وكُلُّ حَرْفٍ بِعشْرِ حسناتٍ وتزيدُ.
قَالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ لا أَقُولُ " الم " حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ. رواهُ الترمذيُّ.
واللهَ يُضاعِفُ لِمَنْ يشاءُ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. رواهُ البخاريُّ ومُسلِمٌ.
فإذا وُفِّقَ العبدُ لِخَتمِ القرآنِ، وكان عَمَلُهُ خالصا مقبولا، فإنَّ له بِكُلِّ خَتْمةٍ ثلاثةَ ملايينِ حَسَنةٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ.
وَلقدْ رَفَعَ اللهُ بالقرآنِ أُناسا ووضَعَ به آخَرين.
ولهذا كانَ العُلماءُ يُولُونَ القرآنَ عنايةً بالغةً في رمضان.
وكانوا يَطْوُون كُتُبَهُم في شهرِ رمضانَ ويُقبِلُون على القرآنِ.
فقد كان قتادةُ يَدْرُسُ القرآنَ في شهرِ رمضانَ. وكان الزهريُّ إذا دخَلَ رمضانُ قَالَ: فإنَّما هو تلاوةُ القرآنِ وإطعامُ الطَّعامِ.
قَالَ ابنُ عبدُ الحَكَمِ: كانَ مَالِكٌ إذا دَخَلَ رمضانُ يَفِرُّ مِن قراءةِ الحديثِ ومجالسةِ أهلِ العِلمِ، ويُقبِلُ على تلاوةِ القرآنِ مِنَ المصحفِ.
اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبى بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبى السبطين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين .
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وبأنك أنت الله الذي وسعت كل شيء رحمةً وعلما أن تجعل شهر رمضان شهر عزٍّ للمسلمين في كل مكان . اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم أعز أهل دينك وأنصرهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعنه على البر والتقوى ، وسدده في أقواله وأعماله ، اللهم وفقه وولي عهد بتوفيقك وانصرهم وأيدهم يا قوي يا عزيز.
اللهم بارك لنا في شهر رمضان ، اللهم بارك لنا في شهر رمضان ، اللهم بارك لنا في شهر رمضان ، وأعنا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن ووفقنا فيه لكل خير يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم إنك أفضل من سُئل وأفضل من أعطى، اللهم إنك أنت الرحيم بعبادك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم جُد علينا من فضلك وكرمك وإحسانك يا جواد يا كريم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم لا تردنا خائبين ، اللهم هذه أيدينا إليك مُدت ودعواتنا إليك رفعت وأنت يا ذا الجلال والإكرام القائل في كتابك : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ اللهم دعوناك فأجب يا حي يا قيوم ، اللهم تقبل دعاءنا واغفر ذنوبنا وتقبل توبتنا وأعطنا وحقق لنا رجاءنا يا ذا الجلال والإكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
بواسطة : admin
 0  0  291