• !
admin

أهمية التوحيد

أيها المسلمون:

تفرَّد الله بالوحدانية ونزَّه نفسَه - سبحانه - عن الشَّريك والمَثيل والنَّظير، وأمرَ عبادَه أن يعبُدوه وحدَه ونوَّع لهم العبادات، وجعلَ إفرادَه بالعبادة أصلَ الدين وأساسَه وأوَّلَ أركانه، وهو جِماعُ الخير ولا تُقبلُ حسنةٌ إلا به، والعملُ القليلُ معه مُضاعَفٌ، وبدونِه الأعمالُ الصالِحةُ حابِطةٌ وإن كانت أمثالَ الجبال.



وهو أولُ دعوة الرُّسُل وخُلاصتُها، ومن أجلِه بُعِثوا، قال - سبحانه -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].



وكل آيةٍ في كتاب الله صريحةٌ فيه أو دالَّةٌ عليه، أو في واجِباتِه أو ثوابِه أو في ضِدِّه، وأولُ أمرٍ في كتابِ الله: الأمرُ به، قال - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21]؛ أي: وحِّدوه.



وفي كل صلاةٍ يُعاهِدُ المُسلمُ ربَّه على القيام به: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5] أي: لا نعبدُ سِواك وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.



وهو حقُّ الله على عبادِه، وأولُ واجبٍ عليهم من التكالِيف، قال - عليه الصلاة والسلام - لمُعاذٍ - رضي الله عنه -: «فليكُن أوَّلَ ما تدعُوهم إليه: عبادةُ الله»؛ متفق عليه.



وأولُ ما يُسألُ عنه العبدُ في قبرِه: «من ربُّك؟» أي: من معبُودُك؟

ولأهميته ولكونِه لا طريقَ لرِضا الربِّ إلا به دعا إمامُ الحُنفاء لنفسِه ولذريَّته بالثَّبات على التوحيد، فقال: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128]، ودعا يوسفُ - عليه السلام - ربَّه فقال: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].



ومن دُعاء نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -: «يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبِي على دينِك»؛ رواه مسلم.



وهو وصيةُ المُرسَلين: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].



ونهجُ الرُّسُل تعليمُه لأولادهم وسُؤالُهم عنه وهم في سَكَرات الموت، قال تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133].



وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّمُ غِلمانَ الصحابةِ التعلُّقَ بالله وحدَه دون ما سِواه، قال لابنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: «يا غُلام! إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظ اللهَ يحفَظك، احفَظ اللهَ تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله»؛ رواه الترمذي.



وأمرَنا الله ألا نموتَ إلا عليه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



بإفراد العبادة لله ينشرِحُ الصدرُ، ويطمئنُّ القلبُ، ويتحرَّرُ من عبوديَّة الخلقِ، ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125].



وبه تُفرَجُ الهُموم وتُكشَفُ الكُروب، ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].



قال ابن القيم - رحمه الله -: "ما دُفِعت شدائدُ الدنيا بمثلِ التوحيد".



يُزيلُ الغلَّ ويُصلِحُ القلبَ، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثٌ لا يُغلُّ عليهنَّ قلبُ مُسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومُناصحةُ أئمة المُسلمين، ولُزومُ جماعتهم؛ فإن الدعوةَ تُحيطُ من ورائِهم»؛ رواه الترمذي.



وهو سببُ الحياة الطيبة؛ بل لا سعادةَ في الدنيا إلا به، قال - سبحانه -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97].



وهو قِوامُ الحياة التي تطلبُها النفوس، ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].



وهو الذي يُوحِّدُ المُسلمينَ عربَهم وعجمَهم، شرقَهم وغربَهم، ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].



كلمةُ التوحيد كلمةٌ طيبةٌ شامِخةٌ، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء، هي كلمةُ الله العُليا، وبها كلَّم الله مُوسَى كِفاحًا من غير واسِطة: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾ [طه: 14].



ولا شُعبةَ أعلى منها في الإيمان، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الإيمانُ بِضعٌ وسِتُّون شُعبةٌ؛ فأفضلُها قولُ: لا إله إلا الله»؛ رواه مسلم.



هي أزكَى الكلام وأثقَل شيءٍ في المِيزان، وتعدِلُ عتقَ الرِّقاب، وحِرزٌ من الشيطان في كل يومٍ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من قالَ مائةَ مرَّة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قدير، لم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاءَ به إلا أحدٌ عمِلَ أكثرَ من ذلك»؛ رواه البخاري.



"لا إله إلا الله" ما تعطَّرَت الأفواه وتحرَّكَت الشِّفاه بأحسنَ منها، قال - عليه الصلاة والسلام -: «خيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلِي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير»؛ رواه الترمذي.



كلمةٌ خالِدةٌ وعدَ الله أن يبقَى في الناسِ من يقولُها ويدعُو إليها، قال - سبحانه -: ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ﴾ [الزخرف: 28].



هي القولُ الثابتُ، من تمسَّك بها ثبَّتَه الله في الدنيا والآخرة، قال - عز وجل -: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27].



وأكملُ الخلقِ أكملُهم لله عبوديَّةً، وعلى قدرِ تحقيقِ التوحيدِ يكونُ كمالُ العبدِ وسُمُوُّ مكانتِه، والله يُدافِعُ عن المُوحِّد في دينِه ودُنياه، وأرجَى من يحظَى بمغفرةِ الله هو المُوحِّد، قال - عليه الصلاة والسلام -: «لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خَطايا، ثم لقِيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقُرابِها مغفرةً»؛ رواه الترمذي.



قال ابن رجبٍ - رحمه الله -: "فالتوحيدُ هو السببُ الأعظمُ؛ فمن فقدَه فقَدَ المفرةَ، ومن جاء به فقد أتَى بأعظم أسباب المغفِرة".



والشيطانُ لا سبيلَ له إلى المُوحِّد، ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99].



وبقدرِ توحيدِه تزدادُ مُدافعَة الله عنه، قال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38].



ومن حقَّقَ توحيدَ الله فاللهُ حافظٌ له من المُوبِقات والفواحِش، قال عن يُوسف - عليه السلام -: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].



قال ابن القيم - رحمه الله -: "كلما كان القلبُ أضعفَ توحيدًا وأعظمَ شِركًا كان أكثرَ فاحِشة".



والمُوحِّدُ عليه في الحياة الدنيا السَّكينةُ والطُّمأنينةُ، وآمِنٌ فيها بقدر إيمانِه، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].



والأمواتُ ينتفعِون بدعواتِ المُوحِّدين، ولا تُقبَلُ في صلاة الجنائزِ إلا دعواتُهم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما من رجُلٍ مُسلمٍ يموتُ فيقومُ على جنازتِه أربعون رجلاً لا يُشرِكون بالله شيئًا، إلا شفَّعَهم الله فيه»؛ رواه مسلم.



وإذا دنَت وفاةُ المُوحِّد بشَّره الله بالجنَّة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من كان آخرَ كلامِه: لا إله إلا الله دخلَ الجنة»؛ رواه أبو داود.



وكما أعزَّ الله المُوحِّد في الدنيا، فقد أكرمَه الله في الآخرة وأعلَى مكانتَه، وجازَاه بخير جزاءِ العامِلين؛ فمن ماتَ على التوحيد كانت له الجنةُ إما ابتِداءً أو مآلاً، وإن دخلَ النارَ بذنُوبِه لم يُخلَّد فيها، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من ماتَ لا يُشرِكُ بالله شيئًا دخلَ الجنةَ»؛ رواه مسلم.



ولا ينالُ شفاعةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - سِوَى المُوحِّدين، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: من أسعَدُ الناسِ بشفاعتِك يوم القيامة يا رسول الله؟ قال: «أسعدُ الناسِ بشفاعَتي يوم القيامة: من قال: لا إله إلا الله خالِصًا من قِبَل نفسِه»؛ رواه البخاري.



والمُحقِّقُ للتوحيدِ يدخلُ من أيِّ أبوابِ الجنةِ الثمانيةِ شاء، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما مِنكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُسبِغُ الوضوءَ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن مُحمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، إلا فُتِحَت له أبوابُ الجنة الثمانية يدخلُ من أيِّها شاء»؛ رواه مسلم.



قال ابن القيم - رحمه الله -: "كلما كان توحيدُ العبدِ أعظمَ كانت مغفرةُ الله له أتمَّ؛ فمن لقِيَه لا يُشرِكُ به شيئًا البتَّة غفرَ له ذنوبَه كلَّها".



ويدخلُ الجنةَ سبعُون ألفًا بغير حسابٍ كلُّهم من أهلِ التوحيد، قال - عليه الصلاة والسلام -: «هم الذين لا يستَرقون، ولا يتطيَّرُون، ولا يكتوُون، وعلى ربِّهم يتوكَّلون»؛ متفق عليه.



وبعد، أيها المسلمون:

فالتوحيدُ أغلى ما يملِكُ المُسلِم، ومن هداهُ الله إليه فليعُضَّ عليه بالنواجِذ، وليصُنْه مما يُناقِضُه أو يقدَحُ فيه أو يُنقِصُه، ومن دعا غيرَ الله أو طافَ على قبرٍ أو ذبَحَ له فقد خسِرَ أنوارَ التوحيد وفضائِلَه، ولم تُقبَل له طاعة، وتعرَّض لنُصوص الوَعيد بالخُلود في النار.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
بواسطة : admin
 0  0  242