حول وسائل التواصل الاجتماعي.. بين المطالب والفوضى
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من الوسائل المهمة في المجتمعات، ومن المنابر الإعلامية التي ترفع من وعي المواطن وتنمي العقول بالأفكار الهادفة النافعة، والأعمال الخيّرة.
ولكن هذه الوسائل قد تكون معول هدم للمجتمع متى ما استخدمت استخداماً سيئاً؛ كأن تكون وسيلة لنشر الأمور المحرّمة، أو الأفكار المنحرفة، أو التشهير بالناس بحجة النقد، وتصحيح الأخطاء، والمطالبة بالحقوق عبر استثارة الناس، وتأليبهم على ولاة أمرهم، والمسؤولين أيّاً كان موقعهم.
وإذا اتفقنا أنه ليس هناك أحداً معصوماً من الخطأ، وأن التقصير موجود في جميع المجتمعات، وجميع القطاعات الحكومية، كما أن نتفق أن التقصير هو نتيجة تصرف فردي، فإن علينا أن نعالج ذلك التقصير، ونصحح الخطأ عبر القنوات الرسمية، والجهات المسؤولة، والتي يمكن من خلالها إيصال احتياجات المواطن، وإن كانت وسائل التواصل لها دور في التنبيه على تلك الأخطاء، وهو دور مقبول بضوابط الشرعية، والنظامية، ولكن ليس من العقل، والحكمة أن تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير الفوضوي، والمهاترات، والتشهير، والدخول في الذمم، وتخوين المسؤولين، بحجة معالجة الخطأ، ومحاسبة المخطئ.
بل يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية، ومراعاة عدم استثارة الرأي العام الذي قد ينتج عنه إيغار الصدور على ولاة الأمر، والجهات الحكومية، وبث الفرقة واستغلال هذه الوسائل من بعض الأفراد أو الجماعات المغرضة الحاقدة على بلادنا والتي تهدف لتشويه الصورة والنيل من اللحمة الوطنية.
فالإساءة والنقد متضادان، والفارق بينهما كبير جداً ولذلك كانت النتائج بينهما مختلفة تماماً.
نعم لا أحد يقف في وجه الناقد، وليس مطلوباً من الناس السكوت، ولا عدم نقد الأخطاء، أو الحديث عن التقصير، ولا يمكن لنا أن نمنع النقد ونحن نرى ونسمع الملك الصالح، والقائد الموفق خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- يقول: (كلمة أكررها دائماً، رحم الله من أهدى إلي عيوبي، إذا رأيتم أو رأى إخواني المواطنين وهم يسمعونني الآن أي شيء فيه مصلحة لدينكم قبل كل شيء ولبلادكم، بلاد الحرمين الشريفين، الذين نحن كلنا خداما لها، فأهلاً وسهلاً بكم، وأكرر أبوابنا مفتوحة وهواتفنا مفتوحة وآذاننا صاغية لكل مواطن).
وهنا اقتبس الكلمة الرائعة، من صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب أميرنا في منطقة حائل حينما يقول: في معرض بيانه الجميل والرائع حول بعض الملاحظات التي يراها المواطن:
(المواطن هو الأول وكلنا ذلك، والمواطن من حقه أن يطالب حال النقص والتقصير في الخدمات ولكن ينبغي أن يكون من قنوات رسمية وليس بطريقة التشهير والإضرار بالأشخاص...)
. وقد تشرفت باللقاء مع سمو أمير منطقة حائل، وسمو نائبه، فوجدت منهما الحرص على نفع المنطقة، والاستماع لكل ما يطرح، بسعة صدر، وتواضع جم، وأدب رفيع، وأبواب مفتوحة.
إذن فما الحاجة لتجييش الناس، والإساءة لبعض المسؤولين، وتشويه السمعة، والتركيز على الأخطاء، وشخصنة الأمور، وتأليب الناس على ولاة أمورهم.
لماذا يسعى البعض أثناء نقده إلى التركيز على بعض السلبيات؟ ونسيان الإيجابيات، والتطور، والنعم التي يعيشها المواطن اليوم؟
وما الفائدة بالله عليكم من إيغار صدور الناس على ولاة أمورهم، وذكر السلبيات، في وقت تواجه بلادنا حرباً على كافة الصعد؟
وما المصلحة التي يريد تحقيقها من يرسل بعض المقاطع عبر الواتساب والمجموعات في نقد الجهات الحكومية؟ وهو يعلم، أو قد لا يعلم أنه بهذا يخدم أعداء هذه البلاد.
ولخطورة هذا المسلك في النصيحة، واللوم، نجد أن السلف والعلماء الصادقين الملتزمين بالكتاب والسنة لهم منهج واضح وبيّن في النصيحة، والإنكار؛ وهو قائمٌ على أمرين:
أولا: إخلاص النية لله جل وعلا، مع مراعاة شروط النصيحة وآدابها، ومن أهمها أن يكون رفيقا بالناس؛ لأن مرادهم وجه الله، وليس مرادهم الانتصار لأنفسهم، أو تحقيق أهدافهم الخاصة.
ثانياً: كان منهجهم بذل النصح لولاة الأمر، والمسؤولين في السر؛ لأن ذلك أرجى لتحقيق المراد من النصيحة.
يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: (وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرا).
وقيل لمسعر بن كدام -رحمه الله-: (تحب من يخبرك بعيوبك؟، فقال: إنْ نصحني فيما بيني وبينه فنعم، وإنْ قرعني في الملأ فلا).
كل هذا يا كرام؛ لأن الجهر بالنصيحة، وإظهارها للعلن دون مصلحة راجحة، يعتبر من الفضح والتعيير لا من النصح والتغيير، وفي هذا يقول الإمام الفضيل بن عياض-رحمه الله-: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعير).
والناظر لمنهج كثير من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي على خلاف منهج السلف في هذا الباب.
والواجب على كل مسلم أيها الأحبة أن يكون ناصحا لإخوانه، مذكرا لهم بما ينفعهم، ومحذرا لهم مما يضرهم في الدنيا والآخرة، ممتثلا في ذلك قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» قيل لمن يا رسول الله؟ قال:»لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، ولكن عليه بأن يكون ذلك سراً، دون تعيير ولا تشهير، وأن يحذر من إرسال الكلمات جزافاً، ولا يستخفنّ بالكلمة وأثرها على العامة خاصة في الأزمات، وليعلم أن الكلمة أمانة ورسالة ومسؤولية، وليكن عوناً لولاة أمره، وبلده في جمع الكلمة ووحدة الصف.
والله من وراء القصد،،،.